للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الحديث ١: أن "تنقل بالهمز"٢ فيحدث النقل تعديًا لم يكن قبله.

غير أن ضربًا من اللغة جاءت فيه هذه القضية معكوسة مخالفة، فنجد فعل فيها متعديًا، وأفعل غير متعد.

وذلك قولهم: أجفل الظليم، وجفلته٣ الريح, وأشنق البعير إذا رفع رأسه, وشنقته, وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها ونزفتها، وأقشع٤ الغيم وقشعته الريح, وأنس٥ ريش الطائر ونسلته, وأمرت الناقة إذا در لبنها ومَرَيتها٦.

ونحو من ذلك ألوت٧ الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصرّ٨ الفرس أذنه، وأصرّ٨ بأذنه، وكبَّه الله على وجهه, وأكبَّ هو, وعلوت الوسادة وأعليت عنها٩.

فهذا نقض عادة الاستعمال١٠، لأن فعلت فيه متعد وأفعلت غير متعد.

وعلة ذلك -عندي- أنه جعل تعدي فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي, نحو: جلس وأجلسته, ونهض وأنهضته, كما جعل قلب الياء واوًا في التقوى١١ والرعوى والثنوى والفتوى عوضًا للواو من كثرة دخول الياء عليها, وكما جعل لزوم الضرب الأول من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تمامًا


١ في ج: "الحدّ".
٢ "تنقل" كذا في ش. وفي ز: "ينقل" و"بالهمز" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بالهمز".
٣ ظاهر الأمر عنده أن الحديث عن الظليم، ولا يقال هذا في الظليم، وفي اللسان "جفلت الربح السحاب", فكأنه يريد هذا, فتكون الكناية في "جفلته" للسحاب.
٤ يرى الزمخشري أن أفشع من باب أصبح, أي: دخل في الصباح، فلا غرابة فيه. وهذا في كشافه عند قوله تعالى في سورة الملك، آية ٢٢: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} . ويرى الفخر الرازي عند قوله تعالى في سورة البقرة، آية ٢٦: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} أن الهمزة في نحو أفشع للتعدية وأن الفعل متعد إلى مفعولين محذوفين.
٥ أي: سقط وتقطع.
٦ أي: مسحت ضرعها لتدر.
٧ أي: حركت ذنبها.
٨ اي: سوى أذنه ونصبها للاستماع، وذلك إذا جد في السير.
٩ في د، هـ، والأشباه "عليها".
١٠ في ش: "استعمال".
١١ انظر في هذه الألفاظ ص٨٨، ٣٠٨ من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>