للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في مطل الحركات]

وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها. فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء، وبعد الضمة الواو. فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه١ أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه: من قوله:

فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح٢

أراد: بمنتزح: مفتعَل من النازح. وأنشدنا أيضًا لعنترة:

ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرة٣

وقال: أراد ينبع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا. وقال الأصمعي: يقال انباع الشجاع٤، ينباع انبياعًا إذا انخرط بين٥ الصفين ماضيًا وأنشد فيه:

يطرق حلمًا وأناةً معًا ... ثمت ينباع انبياع الشجاع٦

فهذا٧: انفعل ينفعل انفعالًا والألف فيه عين. وينبغي أن تكون عينه واوًا؛ لأنها أقرب معنى من الياء هنا. نعم٨، وقد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت. وذلك أنه لما سمع "ينباع" أشبه في اللفظ ينفعل٩، فجاءوا منه بماض ومصدر، كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضفن الرجل يضفن إذا جاء ضيفًا مع الضيف. وذلك أنه لما سمعهم يقولون: ضيفنٌ، وكانت فيعل أكثر في الكلام من فعلن، توهمه فيعلا فاشتق الفعل منه، بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه، فقال: ضفن يضفن. فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت إذا مثلته على لفظه: فلن يفلن؛ لأن العين قد حذفت. ولهذا موضع نذكره فيه مع بقية أغلاط العرب.

ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلي١٠:

بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع١١

أي بين أوقات تعنقه، ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.


١ كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنشدنا" وفي ط: "أنشده".
٢ انظر حاشية.
٣ ص٣٤ من الجزء الأول، ص٣١٨ من الجزء الثاني، وقوله: "يرثي ابنه" أورده في الحماسة البصرية في قطعة في مدح عبد الواحد، وهو أحد القرشيين كان قاضيا لجعفر بن سلمان وأولها:
أعبد الواحد المحمود إني ... أعص حذار سخطك بالقراح
وانظر الحماسة البصرية الورقة ٨١ وشواهد الشافية ٢٥.
صدره:
زياقة مثل الفنيق المقرم
وقوله: ينباع أي العرق، والذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن، وغضوب جسرة إلى آخر الأوصاف من وصف ناقته، يذكر أن عرق ناقته يسيل من جهدها في السير، والبيت في المعلقة.
٤ هو الحية الذكر.
٥ في ط: "من بين".
٦ البيت من مقطوعة مفضلية للسفاح بن كثير اليربوعي، رثى بها يحيى بن ميسرة، صاحب مصعب بن الزبير، وانظر الخزانة ٢/ ٥٣٦، وشرح المفضليات لابن الأنباري ٦٣١.
٧ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
٨ سقط الكلام من هنا إلى "ومن مطل الفتحة" في ش.
٩ كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "متفعل" وهو تحريف.
١٠ هو أبو ذؤيب في مرثيته العينية المشهورة، والقصيدة في آخر المفضليات.
١١ تعنقه الكماة: دنوة منهم في الحرب والتزامه لهم، كما يتعانق الرجلان، وروغه أن يحيد عن ضرباتهم، والسلفع: الجسور السليط، يذكر شجاعا يدل بقوته وعلمه بفن الحرب، فهو يعتنق قرنه حينا، ويروغ من ضربه حينا آخر، وبينما هو في المعمعة ومنازلة أقرانه جاءه من لا يأبه له فصرعه، وذلك جريء سليط ما كان ليحسب له حسابا، وقد ساق هذا مثلا لأن الدهر لا ينجو عليه أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>