للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في تدريج اللغة]

وذلك أن يشبه شيء شيئًا من موضع فيمضى حكمه على حكم الأول ثم يرقى منه إلى غيره.

فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين "ولو "١ جالسهما جميعًا لكان مصيبًا مطيعًا لا مخالفًا وإن كانت "أو " إنما هي في أصل وضعها لأحد الشيئين.

وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس "أو " بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى "أو ". وذلك لإنه قد عرف أنه إنما رغب في مجالسة الحسن لما لمجالسه في ذلك من الحظ وهذه الحال موجودة في مجالسة ابن سيرين أيضًا وكأنه قال: جالس٢ هذا الضرب من الناس. وعلى ذلك جرى النهي في هذا الطرز من القول في قول الله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} ٣ وكأنه -والله أعلم- قال: لا تطع هذا الضرب من الناس. ثم إنه لما رأى "أو " في هذا الموضع قد جرت مجرى الواو تدرج من ذلك إلى غيره فأجراها مجرى الواو في موضع عار من هذه القرينة التي سوغته استعمال "أو " في معنى الواو ألا تراه كيف قال ٤:

وكان سيان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح٥

وسواء وسيان لا يستعمل٦ إلا بالواو. وعليه قول الآخر:

فسيَّان حرب أو تبوءوا بمثله ... وقد يقبل الضيم الذليل المسير


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "فلو".
٢ انظر الكتاب ١/ ٤٨٩.
٣ آية ٢٤ سورة الإنسان.
٤ هو أبو ذؤيب الهذلي. وانظر اللسان في "سوا"، وشرح شواهد المغني للسيوطي ٧٢، وديوان الهذليين طبعة دار الكتب ١/ ١٥٨.
٥ هذا بيت مركب من بيتين. وهما مع بيتين قبلهما في الرثاء:
المانح الأدم كالمرو الصلاب إذا ... ما حارد الحر واجتث المحاليج
وزفت الشول من برد العشي كما ... زف النعام إلى حفائه الروح
وقال ما شيهم سيان سيركم ... وأن تقيموا به واغبرت المسوح
وكان مثلين ألا يسرحوا غنما ... حيث استرادت مواشيهم وتسريح
فترى أن لا شاهد في البيت في روايته، وأن ما أورده النحويون بيتا أصله بيتان. وقوله: "وكان سيان ... " كان هنا على هذا الوجه شأنية، وسيان خبر المصدر المؤول بعده. قال ابن هشام في المغني في مبحث أو: "أي وكان الشأن ألا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان لوجود القحط. وإنما قدرنا كان شأنية لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وفي أمالي ابن الشجري ١/ ٦١: "هكذا أنشده الرواة "سيان" مرفوعا على إضمار الشأن في كان".
٦ كذا في أصول الخصائص. وفي عبارة اللسان: "يستعملان". وما هنا تأويله "لا يستعمل كلاهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>