للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في بقاء الحكم مع زوال العلة]

هذا موضع ربما أوهم فساد العلة. وهو مع التأمل بضد ذلك؛ نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد:

حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق١

ألا ترى أن فاء ميثاق -التي هي واو وثقت- انقلبت للكسرة قبلها ياء؛ كما انقلبت في ميزان وميعاد؛ فكان يجب على هذا لما٢ زالت الكسرة في التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة: المواثيق٣؛ كما تقول: الموازين٤، والمواعيد. فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن٥ انقلاب هذه الواو ياء ليس٦ للكسرة قبلها، بل هو لأمر آخر غيرها؛ إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك "ما أنشده"٧ خلف الأحمر من٨ قول الشاعر٩:

عداني أن أزورك أم عمرو ... دياوين تشقق بالمداد

فللقائل أيضًا أن يقول: لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها.

وكذلك للمعترض في هذا أن يقول: لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة في لغة من قال: بأز؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها، فانقلبت همزة؛ كما انقلبت لما حركت٩ في نحو شأبة ودأبة، لكان ينبغي أن تزول الهمزة


١ نسبه أبو زيد في النوادر ٦٤ إلى عياض بن أم درة الطائي، وروى الأخفش عن أبي سعيد أنه عياض بن درة، وقبله:
وكنا إذا الدين الغلبي يرى لنا ... إذا ما حللناه مصاب البوارق
والدين: الطاعة، والغلبي: الغابة، أي إذا كانت الطاعة سببها الغلبة والقوة للمطاع، وقوله: "برى" أي عرض، وفاعله "حمى" ومصاب البوارق: مكان نزول المطر، وفي تهذيب إصلاح المنطق ١/ ٢١٨: "يرى" و"حمى" نائب الفاعل، وفسره فقال: "يقول: كنا في الزمن الذي لا يطيع الناس بعضهم بعضا يرى حمى لا يحل إلا بإذننا"، وانظر شواهد الشافية ٩٦.
٢ في ش: "كما".
٣ في ط: "المواثق".
٤ في ط: "في الموازين".
٥ سقط هذا الحرف في ز.
٦ سقط في د، هـ، ز.
٧ كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "إنشاد".
٨ سقط في ش، ط.
٩ كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الآخر"، وفي ش: "الراجز"، وكتب في هامشه: "صوابه: الشاعر لا الراجز؛ لأن البيت من الوافر لا من الراجز"، وجاء البيت في اللسان "دون". وفيه: "تنفق" بدل "تشقق" يريد الشاعر أنه مثبت في ديوان الجند، وهو لذلك لا يمكنه زيارة هذه المرأة، فإنه إذا غاب عن الجند كتب غيابه في الديوان أي كتاب الجند، وحرم العطاء.
٩ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحركت".

<<  <  ج: ص:  >  >>