للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي صادفه محلفا وقوله١:

أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بأخرنا وتنسى أولينا

أي صادف قوما صما وقول الآخر:

فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجواد والمجد يوم الفخار٢

أي صادفته أعمى. وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها، أي وجدتها عامرة ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك أو يكون ما قاله٣ الخصم: أن معنى أغفلنا قلبه: منعنا وصددنا، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر على ما ذهبوا إليه منه٤ لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه. وذلك أنه كان يكون على هذا الأول علة للثاني، والثاني مسببا٥ عن الأول، ومطاوعا٦ له؛ كقولك: أعطيته فأخذ وسألته فبذل، لما٧ كان الأخذ مسببا عن العطية، والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو؛ ألا "ترى٨ أنك" إنما تقول: جذبته فانجذب، ولا تقول: وانجذب إذا جعلت الثاني مسببًا عن الأول. وتقول: كسرته فانكسر، واستخبرته فأخبر، كله بالفاء. فمجيء قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} بالواو ودليل على أن الثاني ليس مسببا عن الأول على ما يعتقده المخالف. وإذا "لم يكن"٩ عليه كان معنى أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي صادفناه غافلا؛ على ما مضى، وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة. فكأنه -والله أعلم: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، أي لا تطع من فعل كذا، وفعل كذا. وإذا صح هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من قوة النفس، ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى١٠ علي رحمهما الله وقد دوخا هذا الأمر، وجولاه١١، وامتخضاه وسقياه، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما -فيما علمته به١٢- على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز١٣ عندي أجرا عظيما فيما صنفه من كتابه الصغير في الرد على الملحدين، وعليه عقد أبو علي -رحمه الله- كتابة في تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة في هذا الأمر بإذن الله وعونه.


١ أي ابن أحمر. وقوله: "تحجي بآخرنا" أي تسبق إليهم باللوم، وقوله: "بآخرنا" كذا في اللسان، وفي نسخ الخصائص: "لآخرنا" وانظر اللسان "صمم" و"حجا".
٢ أورده ابن قتيبة في المعاني الكبير ٥٢١ ولم يغزه.
٣ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يقول".
٤ سقط في ش.
٥ في ش: "مسيب".
٦ في ش: "مطاوع".
٧ في ز: "فلما".
٨ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراك".
٩ كذا في ز، ط، أي لم يكن الأمر على ما ذهبوا إليه، وفي ش: "تكن عليه".
١٠ كأنه يريد شيخه أبا علي الفارسي المتوفى سنة ٣٧٠، وأبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة ٣٠٣، وكانا معتزليين.
١١ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حولاء".
١٢ سقط في ش.
١٣ كذا في ش، وفي ط: "أجر" وفي ز: "أجرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>