للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فحروف المضارعة أيضًا موضوعة على اختلاف معانيها؛ لأن الهمزة للمتكلم, والنون للمتكلم إذا كان معه غيره وكذلك بقيتها قيل: أجل إلا أنها كلها مع ذلك مجتمعة على معنى واحد وهو جعلها الفعل صالحًا للزمانين على ما مضى. فإن قلت: فالإعراب أيضًا كله مجتمع على جريانه على حرفه قيل: هذا عمل لفظي, والمعاني أشرف من الألفاظ.

وأيضًا فتركهم إظهار الألف قبل هذه الياء مع ما يعتقد من خفة الألف حتى إنه لم يسمع منهم نحو فاى ولا أباى ولا أخاى وإنما المسموع عنهم رأيت أبي وأخي وحكى سيبويه كَسَرت فِيَ أدل دليل على أنهم لم يراعوا حديث الاستخفاف والاستثقال حسب وأنه أمر غيرهما. وهو اعتزامهم ألا تجيء هذه الياء إلا بعد كسرة أو ياء أو ألف لا تكون علمًا للنصب: نحو هذه عصاي وهذا مصلاي. وعلى أن بعضهم راعى هذا الموضع أيضًا فقلب هذه الألف ياء فقال: عصي ورحي, ويا بشرَيَّ "هذا غلام "١ وقال أبو داود ٢:

فأبلوني بليتكم لعلي ... أصالحكم وأستدرج نويا


١ زيادة في أ. وهي قراءة أبي الطفيل والحسن والجحدري. انظر البحر ٥/ ٢٩٠.
٢ هذا هو الصواب، ونسبه في المغني في مباحث أقسام العطف ٢/ ٩٧ إلى الهذلي. وقبله:
ألم تر أنني جاورت كعبا ... وكان جوار بعض الناس غيا
وكان أبو داود جاور هلال بن كعب من تميم، فلعب غلام له مع غلمان الحي في غدير، فغطسوه في الماء، ومات، فعزم أبو دواد على مفارقتهم وذم جوارهم، وأحسن منهم أنهم يحاولون إرضاءه، فقال هذين البيتين. وقد أعطاه هلال فوق الرضا، حتى ضرب به المثل في الوفاء فقيل: جار كجار أبي داود. وقوله: "فأبلوني" يقال: أبلاه إذا صنع به صنعًا جميلا، واليلية اسم منه. و"نويا" يريد نواي والنوي: النية، وهو الوجه الذي يقصد، و"أستدرج": أرجع أدراجي من حيث كنت. يقول: أحسنوا إليَّ فإن أحسنتم فلعلي أصالحكم وأرجع حيث كنت جارا لكم. وقد أحسنوا إليه، وظل على جوارهم. وانظر شرح شواهد المغني البغدادي في الشاهد ٦٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>