للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ لو جاءه الموت نفسه لمات به لا محالة. ومنه تسمية المزادة١ الراوية١ والنجو٢ نفسه الغائط, وهو كثير.

فإن قيل: فكيف عبروا عن الاعتقادات والآراء بالقول, ولم يعبروا عنها بالكلام, ولو سووا بينهما أو قلبوا الاستعمال، كان ماذا؟ ٣.

فالجواب أنهم إنما فعلوا ذلك من حيث كان القول بالاعتقاد أشبه منه بالكلام وذلك أن الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره, وهو العبارة عنه كما أن القول قد لا يتم معناه إلا بغيره ألا ترى أنك إذا قلت: قام وأخليته من ضمير فإنه لا يتم معناه الذي وضع الكلام عليه وله؛ لأنه إنما وضع على أن يفاد معناه مقترنًا بما يسند إليه من الفاعل, وقام هذه نفسها قول, وهي ناقصة محتاجة إلى الفاعل كاحتياج الاعتقاد إلى العبارة عنه. فلما اشتبها من هنا عبر عن أحدهما بصاحبه. وليس كذلك الكلام؛ لأنه وضع على الاستقلال, والاستغناء عما سواه. والقول قد يكون من الفقر٤ إلى غيره على ما قدمناه فكان إلى الاعتقاد المحتاج إلى البيان أقرب وبأن يعبر به عنه أليق. فاعرف ذلك.


١ المزادة: وعاء الماء كالقربة، والراوية في الأصل: البعير يستقى عليه ويحمل المزادة، وتقال الراوية للمزادة نفمها لأن الراوية -وهو البعير- يحملها، فكانت بسبب منه.
٢ النجو: البراز الخارج من الدبر. والغائط في الأصل: المنخفض من الأرض، وكانت العادة عندهم قضاء الحاجة في الغائط، إذ هو أستر لصاحبها، فسمى النجو بالغائط لهذه الملابسة.
٣ ترى أنه أخرج "ماذا" عن الصدر؛ إذ أعمل فيها "كان" وهذا لا شيء فيه. وكلام العرب على ذلك. وقد ذكر ابن مالك هذا في توضيحه الموضوع على مشكلات الجامع الصحيح، وقد طبع في الهند، واستشهد على هذا الحكم بقول عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: أقول ماذا؟ أفعل ماذا؟ وانظر حاشية الشيخ يس على التصريح في مبحث الموصول.
٤ في عبارة اللسان: "المفتقر".

<<  <  ج: ص:  >  >>