للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فما يؤمنك أن تكون كما وجدت في لغته فسادًا بعد أن لم يكن فيها فيما علمت١، أن يكون فيها فساد آخر فيما لم تعلمه. فإن أخذت به كنت آخذًا بفاسد٢ عَرُوض٣ ما حدث فيها من الفساد فيما علمت, قيل: هذا يوحشك من كل لغة صحيحة؛ لأنه يتوجه٤ منه أن تتوقف عن الأخذ بها؛ مخافة أن يكون فيها زيغ حادث لا تعلمه الآن، ويجوز أن تعلمه بعد زمان، كما علمت من حال غيرها فسادًا حادثًا لم يكن فيما قبل فيها. وإن اتجه هذا انخرط عليك منه ألّا تطيب نفسًا بلغة وإن كانت فصيحة مستحكمة. فإذا كان أخذك٥ بهذا مؤدّيًا إلى هذا رفضته ولم تأخذ به، وعملت على تلقي كل لغة قوية معربة بقبولها واعتقاد صحتها. وألّا توجه ظِنَّة إليها, ولا تسوء رأيًا في المشهود تظاهره من اعتدال أمرها. ذلك كما يُحْكَى٦ من أن أبا عمرو استضعف فصاحة أبي خَيْرة لما سأله فقال: كيف تقول: استأصل الله عِرْقَاتهم, ففتح أبو خيرة التاء, فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة؛ لان جلدك! فليس لأحد أن يقول: كما فسدت لغته في هذا ينبغي أن أتوقف عنها في غيره "لما حذرناه"٧ قبل ووصفنا.

فهذا هو القياس, وعليه يجب أن يكون العمل.


١ كذا في أ. وفي ش، ب، م زيادة "فكذلك يمكن" بعد "علمت".
٢ كذا في أ، وفي ش، ب: "بفساد".
٣ العروض الطريقة؛ تقول: خذ في عروض آخرين الكلام. وللعروض النظير، تقول: هذه المسألة عروض هذه, وكلا المعنيين سائغ هنا، وعلى الأول المعنى: شأن ما حدث، وعلى الثاني غير ما حدث.
٤ كذا في أ. وفي سائر الأصول: "يلزم".
٥ كذا في أ، وفي ش، ب: "بها".
٦ انظر في هذه القصة ص ٣٨٥ من الجزء الأول من هذا الكتاب.
٧ كذا في أ. وفي ش، ب: "كما حددنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>