للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما خلعت عنه دلالة الاستفهام قول الشاعر -أنشدناه سنة إحدى وأربعين:

أني جزوا عامرًا سيئًا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن١

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رثمان أنف إذ ما ضنَّ باللبن١

فأم في أصل الوضع للاستفهام, كما أن "كيف" كذلك. ومحال "اجتماع٢ حرفين" لمعنى واحد٣؛ فلا بُدَّ أن يكون أحدهما قد خُلِعت عنه دلالة الاستفهام. وينبغي أن يكون ذلك الحرف "أم" دون "كيف"؛ حتى كأنه قال: بل٤ كيف ينفع, فجعلها بمنزلة "بل" في الترك "والتحول"٥.

ولا يجوز أن تكون "كيف" هي المخلوعة عنها دلالة الاستفهام؛ لأنها لو خلعت عنها لوجب إعرابها؛ لأنها إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام, فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها, كما أنه لما خلعت دلالة الاستفهام عن "مَنْ" أعربت في قولهم: ضرب مَنٌ منًا. وكذلك قولك: مررت برجل أيّ رجل, لما خلعت عنها دلالة الاستفهام "جرت وصفًا"٦. وهذا واضح جلي.


١ من قصيدة لأفنون التغلبي. و"سيئا" هو مخفف سبي. وهو بهذه الصورة في أ. وفي ش، ب، ج: "شبئًَا" وهو تصحيف. وفي ش: "سوءا". وعامر هي القبيلة المعروفة. وقابل "السوأى" بالحسن للقافية. ولولا ذلك لقال: من الحسنى، والعلوق من الإبل: التي لا ترأم ولدها، ولا تدر عليه؛ ورئمانها: عطفها ومحبتها. وانظر الخزانة ٤/ ٤٥٥، ٥١٩، وشرح المفضليات لابن الأنباري ٥٣٤، وأمالي ابن الشجري ١/ ٣٧.
٢ في أ: "اجتماعهما", وهو يريد بالحرف الأداة وإن كانت اسمًا في الاصطلاح النحوي. ومن هذا جعل "كيف" حرفًا، وهي في عداد الأسماء, وهو يريد اجتماع الحرفين لغير توكيد.
٣ في م "في موضع واحد".
٤ سقط هذا الحرف في أ، م.
٥ سقط في أ.
٦ كذا في أ. وفي غيرها: "أعربت".

<<  <  ج: ص:  >  >>