للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكَّى, وعليه قول الفرزدق:

كيف تراني قاليًا مجنِّي ... أضرب أمري ظهره للبطن

قد قتل الله زيادًا عنِّي١

لمَّا كان معنى قد قتله: قد صرفه، عدَّاه بعن.

ووجدت في اللغة من هذا الفنِّ شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به, ولعله لو جمع أكثره "لا جميعه"٢ لجاء كتابًا ضخمًا, وقد عرفت طريقه. فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبله وأنس٣ به, فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. وفيه أيضًا موضع يشهد على من٤ أنكر أن يكون في اللغة لفظان بمعنى واحد حتى تكلَّف لذلك أن يوجد فرقًا بين قعد٥ وجلس، وبين ذراع٦ وساعد, ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة في معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذي بابه الإفضاء وهو "إلى ". وكذلك لما كان "هل لك في كذا" بمعنى


١ كان الفرزدق هرب من البصرة إلى المدينة واختفى فيها خوفًا من زياد بن أبيه لغضبة غضبها عليه، فلمَّا بلغه موت زياد وهو في المدينة ظهر وأنشد هذا الرجز إظهارًا للشماتة به وفرحًا بالسلامة منه. والمجنّ: الترس, وقاله كناية عن عدم الحاجة إليه. وكان موت زياد سنة ٥٣هـ. وانظر شواهد المغني للبغدادي في آخر الكتاب.
٢ سقط في ش.
٣ في د، هـ، ز: "تأنس".
٤ من هؤلاء ثعلب وابن فارس. وانظر المزهر ١/ ٢٣٩.
٥ فالقعود يكون عن قيام، والجلوس يكون عن حالة دونه، وذاك أن الجلوس مأخوذ من الجلس وهو المكان المرتفع, تقول: كان مضطجعًا ثم جلس. وانظر المزهر في مبحث الترادف.
٦ فسَّر بعضهم الذراع بأنه الأسفل من الزندين، والساعد: الأعلى منهما، وانظر اللسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>