للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمِمَّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر, نحو: الملل والضعف١ والمشش٢؛ كما تفصل الألف بعدها بينهما, نحو: الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت, فلن تخلو٣ حركة الأول من أن تكون قبله أو معه أو بعده. فلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام, ألا ترى أن الحرف المحرَّك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزًا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر.

ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد, فقلب الواو ياء يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تلِ٤ الواو, فكان يحب أن يقال: موزان وموعاد, وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها, فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها, وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضًا فلو٥ كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام؛ لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح.

فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرّك بها من حيث أرينا, وعلى ما أوضحنا وشرحنا, بقي سوى مذهب سيبويه أن يظن بها٦ أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه.

والذي يُفسِد كونها حادثة مع الحرف البتَّة هو أنا لو أمرنا مذكرًا من الطيّ, ثم أتبعناه أمرًا آخر٧ له من الوجل من غير حرف عطف, لا بل بمجيء الثاني تابعًا للأول البتة, لقلنا ٨: اطوايجل. والأصل فيه: اطو اوجل, فقلبت الواو التي هي فاء الفعل


١ من معانيه: كثرة العيال.
٢ من معانيه: بياض يعتري الإبل في عيونها.
٣ كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخلو".
٤ أي: لم تباشرها، والولي: الاتصال القرب من قبل ومن بعد، وإن اشتهر فيما يأت يبعد غيره.
٥ كذا في ش، وي د، هـ، ز: "لو".
٦ يادة في هـ.
٧ سقط في د، هـ، ز، وضمير "له" للمذكر.
٨ في د، هـ، ز: "لقلت".

<<  <  ج: ص:  >  >>