للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدّرته ولا ما تصوّرته, وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة, وهما مستثقلتان. فأمَّا أن تماسّا الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا. وهذا كثير في الكلام والاستعمال, ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا, فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول١ صحيح معتاد, إلّا أنه قد يقوله من حصل يدير العاقول, فهو -لعمري- بين بغداد والبصرة, وإن كان أيضًا بين جرجرايا٢ والمدائن, وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة. وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة, وإن كان أقرب إليها منهما فتحة الياء والعين. وكذلك يقال أيضًا: هو٣ من عمره ما بين الخمسين إلى الستين, فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة٤، فهي٥ لعمري بين الخمسين والستين, إلّا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلي غير مشكل. فهذا أحد الموضعين.

وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم, وأن يكونوا مريديه ومعتقديه, ولو أرادوه واعتقدوه٦ وذهبوا إليه لما كان دليلًا على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ, ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سنة ولا قديم ملة, ألا ترى أنَّ إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة؛ لأن كل واحد منهم إنما يرُدُّك ويرجع بك فيه إلى "التأمل والطبع"٧ لا إلى التبعية٨ والشرع. هذا لو كان لا بُدَّ من أن يكونوا قد


١ سقط في د، هـ، ز.
٢ كذا في ز. وفي ش: جرجرى". وجرجرايا. مدينة بين بغداد وواسط.
٣ كذا في الأصول. وقد يكون: "ممن".
٤ سقط في د، هـ، ز.
٥ في د، ز: "وهي".
٦ سقط في ش.
٧ في د، هـ، ز: "تأمّل الطبع".
٨ كذا في أشباه السيوطي ١/ ١٦٨. وفي ش، د، هـ، ز: "التقية".

<<  <  ج: ص:  >  >>