للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأي أبي بكر بشأن أسرى بدر، وخالف رأي عمر ومن وافقه من جمهور الصحابة، فنزلت آيات من الله تعاتب النبي, وتقسو عليه في أنه لم يأخذ برأي الآخرين, وهو كما علم الله أوفق بحالة المسلمين في ذلك العصر قال تعالى في سورة الأنفال١:

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

وقد اتبع أبو بكر الخليفة الأول نهج الرسول فكان يستشير الصحابة فيما يعرض له من شئون الأمة، وكان يأخذ برأي الجماعة. وأحيانا برأي غيره حين تبدو آيات الحق في جانبه، وكان عمر يجمع كبار الصحابة بالمدينة ويمنعهم من الخروج منها ليتمكن من استشارتهم في أمور الدين والدنيا. وكم هو عظيم ذلك الحاكم الذي يقف ليخطب الناس في الجمعة فترده امرأة فيقول على الملأ: أصابت امرأة وأخطا عمر. والحادثة أشهر من أن تروى. وقد كانت ولاية هؤلاء الخلفاء بعد رسول الله بالبيعة العامة، ولا يمكن لأحد أن يدعي حقا في ولاية المسلمين بغير البيعة، التي هي في مصطلح العصر الحديث "الانتخابات الحرة". ولا يستطيع الحاكم الاستمرار في حكمه إلا إذا امتثل لرأي أصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يمثلهم في عصرنا الحديث ممثلو الشعب في مجالس "الأمة والنواب والشعب" وغيرها من هذه المسميات وهما معا "الحاكم، والنواب" لا يمكنهم الاستمرار في إدارة أمور الدولة إلا إذا كانت الغالبية العظمى من أفراد الأمة تؤيدهم وتؤازرهم؛ لأنه لا مصدر للسلطة العامة


١ الآتيان ٦٦، ٦٧.

<<  <   >  >>