تتألف الدولة كما يرى الفقه السياسي الحديث من عناصر ثلاثة: أرض وشعب وحكومة, وهي في نظر الإسلام تتكون من هذه العناصر الثلاثة مشمولة بكيان روحي يرفع من قيمة الإنسان فيها؛ لأن الإنسان مركب من مادة وروح، والدول والأمم مجموعات من الناس فإذا لم تقم في بنائها على العنصرين معا -المادي والروحي- كانت غير متوازنة في أمورها؛ لأن الإنسان لا يستقيم أمره إلا إذا توازن هذان الجانبان فيه: جانب الغرائز الفطرية التي غرسها الله فيه لعمارة الأرض، وجانب الضوابط الروحية التي تحول دون انقلاب هذه الغرائز إلى معاول مدمرة للإنسان والمجتمع١. وهذا ما تغرسه العقيدة الإسلامية في وجدان كل مسلم، وهو ما تقوم عليه الدول الإسلامية بناء وتطبيقا، وتتبعه في تكوين مؤسساتها السياسية والاجتماعية, فالإسلام يأمر بأن تقوم في كل مجتمع هيئة تتولى زمام تنظيمه السياسي {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} و"المعروف" الذي يجب أن تدعو له جماعة من جماعات المسلمين هو ذلك المنهج الإسلامي الذي يتصل بالأصول الكلية التي فرضها الإسلام لصالح المجتمع الإسلامي, وكل ما يترتب عليها من أحكام ومواقف و"المنكر" هو كل ما نهت عنه هذه الأصول الكلية، وكل ما يقاس عليها في إلحاق الأذى بالمجتمع. وفي الغالب تكون هذه الهيئة هي المسئولة عن نظام الحكم وما يتصل به من شئون السياسة والاقتصاد،
١ انظر نظام الحكم في الإسلام جـ٢ ص١٢ وما بعدها للدكتور محمد عبد الله العربي.