للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن هؤلاء وأولئك جميعا عباد الله، وهم سواء من حيث منشئهم ومن حيث مآلهم الأخير. لقد كان فشل كل النظريات التربوية الاقتصادية والسياسية على كثرتها في بناء إنسان يتقارب مجتمعه تقاربا يقضي على نوازع الشر فيه، ويحوله إلى مصدر إسعاد له وللآخرين، بدلا من التصارع والأنانية والشراهة والأحقاد.

كان ذلك داعيا لظهور جماعات لا حصر لها في كل جوانب الأرض، رافضة لكل المباديء والقوانين بل والعادات والتقاليد التي يسير عليها الآخرون.

وكثرت الانقلابات العسكرية وشبه العسكرية في كثير من الأمم، وتبعها محاولات دائبة لتغيير المناهج والأفكار والسلوك، ولكنها فشلت واعتراها الضعف والهزال ثم تهاوت واضمحلت ليأتي من جديد غيرها ليسلك نفس الدرب وليخوض من أوهام جديدة نفس الطريق. وتتشابك القضايا وتهتز النفوس وتضطرب الجماعات، وتشتعل الحروب، ولا خلاص؛ لأن الصانع إنسان، وهو مهما أوتي لن يكون إلا واحدا من بين ملايين الآحاد، لا يمكن أن ينطبق نظامه وفكره على الجميع لصالح الجميع.

أما الإسلام ونظمه الاقتصادية والسياسية والتربوية فهي من وحي السماء، جاءت إلى الأرض جامعة وشاملة لكل جوانب الحياة فيها، لا يخرج عن دائرتها إنسان أو حيوان أو جماد، بل هي للجميع لصالح الجميع، لا فرق بين حاكم ومحكوم، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، شريف أو وضيع، كلهم أمام التشريع الإلهي سواء.

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} ١.

ولن تحصل البشرية على أمنها وسلامها، بل ورقيها الاجتماعي والأخلاقي والنفسي إلا بالأخذ بجوانب هذا النظام الإلهي تربويا واقتصاديا وسياسيا.


١ الأنعام آية ٩٨.

<<  <   >  >>