للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتكون مقياسا على تمسك الإنسان بما أمره الله به, ولكي تكون حكما بين نفسه وهواه.

ومن الحقائق المعروفة أن الرغبة الدائمة والملحة على الإنسان هي رغبة الوجود، وكل مغامرات الإنسان الطويلة ليست -في أقصى غاياتها- إلا طريقا لتحقيق وجوده، ومن ثم لإدراك معنى الوجود. وقد أخذت هذه المغامرات أشكالا مختلفة، فهي تتمثل مرة في البحث عما نسميه الحقيقة، وأخرى في البحث عن الله وثالثه في محاولة تفهم ما النفس، وإذا نحن ترجمنا هذه المحاولات في إطار أعم أمكننا أن نتمثلها في علاقة الإنسان بالكون، وعلاقته بالله، وعلاقته بالإنسان نفسه.

وقد حدد الإسلام هذه العلاقات في إطار عام من القيم الاجتماعية والروحية والأخلاقية، وكانت أنواع العبادات مظهرا مجسما لهذه القيم, ومحددا لها في سلوك دائم لا ينقطع عنه الإنسان، ولا ينفك منه إلا إذا خرج على عقيدته وتحلل من قدسية الدين. ومن خلال هذه العلاقات الدائمة بين العبد وربه تبدو المواقف الثانوية من النظر في الحياة والموت في الحب والكره، في الخلود والفناء، في الشجاعة والخوف، في النجاح والإخفاق، في العدل والظلم، في الفرح والحزن وكل هذه المعاني مستقرة في الضمير الإنساني، وقد استقرت فيه منذ وقت مبكر، منذ أن تبلورت التجربة الإنسانية في العقيدة الدينية، وجاء الإسلام منظما لكل هذه العلاقات مرتقيا بها إلى أقصى غايات السمو النفسي والعقلي والروحي، وعلى الرغم من أنها استقرت في ذاكرة ذاك الإنسان التي تكونت عبر التاريخ وانطبعت آثارها في عاداته المجتمعية، إلا أن الإسلام وضع لها سبل الكمال، وجعلها محببة إلى نفوس المؤمنين، كما يسرها عليهم. ففي الكلمة الطيبة صدقة، وفي إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وفي النية الخالصة أجر،

<<  <   >  >>