هذا زفر بن الهذيل إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامهم فى شرفه، وحسبه، وعلمه.
وذكره ابن حبان فى الثقات، وقال: كنيته أبو الهذيل الكوفى، وكان من أصحاب أبى حنيفة، يروى عن يحيى بن سعيد الأنصارى، يروى عنه شداد بن الحكيم البلخى، وأهل الكوفة، وكان زفر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحاب أبى حنيفة وأكثرهم رجوعًا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة، وكان أبوه من أصفهان، وكان موته فى ولاية أبى جعفر. وفى الميزان: زفر بن الهذيل العنبرى، أحد الفقهاء العباد، صدوق، وثقه ابن معين وغير واحد. وقال ابن سعد: لم يكن فى الحديث بشىء. قلت: مات سنة ثمان وخمسين ومائة عن ثمان وأربعين سنة. انتهى. وعن ابن المبارك، يقول: سمعت زفر يقول: نحن لا نأخذ بالرأى ما كان الأثر، فإذا جاء الأثر تركنا الرأى. وعن يحيى بن معين: زفر ثقة مأمون زاهد. وعن أبى نعيم: قال لى زفر: يا أبا نعيم، هات أحاديثك أغربلها لك غربلة.
وعن أبى مطيع: زفر حجة للناس فيما بينهم وبين الله، يعنى فيما يعملون بقوله، وأما أبو يوسف فقد غرته الدنيا بعض الغرور، وكان يحيى بن اليمان يذكر زفر بخير. وعن يحيى بن أكثم: سمعت أبى يقول: كان وكيع فى آخر أمره يختلف إلى زفر بالغدوات، وإلى أبى يوسف بالعشيات، ثم جعل كل اختلافه إلى زفر؛ لأنه كان أفرغ، وكان زفر يرفق به ويعيد له، وكان وكيع يقول لزفر: الحمد لله الذى جعلك خلفًا لنا من أبى حنيفة. وعن أبى نعيم الفضل بن دكين: لما مات أبو حنيفة، وفاتنى ما فاتنى منه، لزمت أفقه أصحابه وأورعهم، فأخذت منه الحظ الأوفر، أراد زفر، رحمه الله. وعن محمد بن وهب: كان زفر أحد العشرة الأكابر الذين دونوا كتب أبى حنيفة، وكان زفر، رحمه الله، رأس حلقته. وقال أبو نعيم: كان زفر يجلس بحذاء أبى حنيفة، وكان أبو يوسف يجلس إلى جانبه.
وعن محمد بن سماعة: كان زفر وأبو يوسف يجلسان فى مسجد أبى حنيفة فى حلقة أبى حنيفة، وكان زفر يستند إلى اسطوانة، وكان رجلاً ركينًا ينتصب فلا يزول، وكان أبو يوسف إذا ناظره يكثر الحركة حتى يجيىء فيجلس بين يديه، أو قال: بالقرب منه، فكان زفر يقول له: هذه أبواب كندة، فإن أردت أن تفر فخذ أيها شئت. وعن الحسن بن زياد: كان المقدم من أصحاب أبى حنيفة فى مجلسه زفر، وكانت قلوبهم إليه أميل. وعن بشر بن القاسم: سمعت زفر يقول: لا أخلف بعد موتى شيئًا أخاف الحساب عليه،