الاستثناء ليس بنسخ، وقال قوم: الآية كلها منسوخة بقوله عز وجل:
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا)
يعني أنهم فتنوا عن دينهم، فاخبر عز وجل أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا
فإنه غفور رحيم.
وهذا غلط ظاهر، لأن هذا فيمن أسلمٍ بعد أن أكره
على الكفر، فكفر، وذاك في من (شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) ودام عليه
(ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم
الكافرين، أولئك الذين طبع اللَّه على قلوبهم - إلى قوله - هم
الخاسرون) .
وقد قرئ "فَتَنُوا" بفتح الفاء والتاء.
أي فَتَنوا غيرهم عن دينهم، ثم أسلموا، وتابوا.
الرابع: قوله عزّ وجل: (وَجَادِلْهُمْ بِالتِيْ هِيَ أحْسَنُ)
قالوا: هو منسوخ بآية السيف، وقيل: بل هي محكمة، والتي هي أحسن:
اللين غير فط غليظ ولا جاف.
وقيل: الانتهاء إلى ما أمر الله به، ونهى عنه، وكل ذلك غير منسوخ، وما زال يدعو إلى الله عز وجل بالرفق واللين، وما قاتل قوماً قط حتى دعاهم إلى الإيمان، وعرضه عليهم، وبَيَّنه لهم، وأما المفاجأة بالقتال من غير أن يقدم القول، والدعاء إلى الإسلام فلا.
وكان أمره - صلى الله عليه وسلم - وحاله، كما قيل:
أنَاةٌ فَإِنْ لم تُغْنِ أرْدَفَ بَعْدها. . . وَعِيْدَاً فَإِنْ لم يُغْنِ أغْنَتْ صَوَارِمُهْ