للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبواْ به الجنة أبكاهم الخوف من النار، وأنه من

لم يعتز بعز الله يقطّع نفسه حسرات.

وكلام الحسن، وما ذكرته من كلام غيره يدلّ على أنّ الآية محكمة، وقول سيبويه الذي قاله فيه نظر؛ لأنه قال: لم يؤمر المسلمون يومئذ إن يسلّموا على المشركين، وهذا ليس بأمر، إنّما هو شيء حكاه الله عزّ وجل عنهم، وأثنى عليهم به.

فإن قيل: أراد سيبويه، رحمه الله: لم يؤمروا أن يسلموا عليهم، فكيف يسلمون عليهم؟

قلت: لا يفتقرون في ذلك إلى أمر من الله عز وجلّ، فقد كانوا يسلمون عليهم.

وإن كان (سلام عليكم) أصله الدعاء، إلَّا أنه قد يقوله من لا يريد الدعاء إنما يريد الإحسان والإجمال في المخاطبة، فإن أراد سيبويه هذا، فهو حسن وإن أراد أنهم لم يأتوا بالتسليم مريدين به التبرؤ، فإن ذلك يبطل بقوله عز وجل في سورة القصص حين أثنى على قوم من أهل الكتاب أسلموا (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥) .

وهذه الآية أخت تلك، وقد عيب عليه قوله: "لا خير بيننا ولا شر".

وقال مكي في هذه الآية: إن هذا، وإن كان خبراً، فهو من الخبر الذي يجوز نسخه.

قال: لأنَه ليس فيه خبر من الله عز وجلّ لنا عن شيء يكون، أو

شيء كان، فينسخ بآية لا تكون، أو بآية لم تكن. هذا الذي لا يجوز

فيه النسخ، وإنما هذا خبر من الله عز وجل لنا أن هذا الأمر كان من فعل

هؤلاء الذين هم عباد الرحمن قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضع

<<  <   >  >>