آخر نزل بعد فعلهم ذلك أنه أمر بقتالهم، وقتلهم، فنسخ ما كانوا عليه.
قال: ولو أعلمنا في موضع آخر أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين
سلاماً لكان هذا نسخاً للخبر الأول، وهذا لا يجوز، وهو نسخ الخبر
بعينه، والله عز وجل يتعالى عن ذلك.
قال: فإذا كان الخبر حكاية عن فعل قوم جاز نسخ ذلك الفعل
الذي أخبرنا به عنهم بأن يأمر بأن لا يفعلوه، ولا يجوز نسخ ذلك الخبر.
والحكاية بعينها بأنها لم تكن، أو كانت على خلاف ما أخبر به أولاً.
فاعرف الفرق في ذلك، وقوله هذا لو فرضنا أن تأويل الآية أن الجاهلين
هم المشركون لا يصح به نسخ الآية، لأن الله عز وجل إن كان نهاهم
عن فعله، أو أمرهم أن لا يفعلوه بآية السيف، فإن هذا الخلق الذي
أخبر به عنهم، وهو قولهم (سلاماً) لم يكن بأمر من الله عزَّ وجلَّ، وإنما
كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم حلماً، وتبرؤوا من المشركين كما
زعم من قال ذلك.
فإذا نزلت آية السيف ناسخة لذلك كانت ناسخة عادة كانوا
يفعلونها، ولم تكن ناسخة قرآناً، وهذه الآية مخبرة بما كانوا يفعلونه.
فكيف تنسخها آية السيف؟
وهذا واضح.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) .
ذلك منسوخ بالاستثناء، وهو قوله عز وجل: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) .
وهذا ظاهر البطلان، وقد تقدم القول في مثله.