إن الخصائص التي تَميَّز بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وظهرت خلال قيامه بالدعوة عديدة، وشاملة لكافة جوانب شخصيته، ومتأصلة في أصوله وجذوره، وملازمة له في تربيته ونشأته، وملموسة في سائر أعماله، وأقواله، وأمانيه، وأمانته، وسلوكه مع نفسه، ومع أسرته، ومع الناس أجمعين.
ولولا أن الرسالة والنبوة اصطفاء وإحسان من الله لقلنا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم اكتسبها بخصائصه، ونالها بأعماله وجهاده، لكن جمهور علماء المسلمين -ونحن معهم- يجمعون على أن الرسالة لا تكتسب، وإنما يخلق الله الناس، ويختار منهم رسوله، ويهبه من لدنه استعدادا خاصا، يجعله أهلا لهذا الاختيار، قادرا على تحمل أمانة التبليغ والدعوة.
والاختيار بهذه الكيفية رحمة من الله بالناس؛ إذ به جرت الأمور بين الخلق على وفق سننه في الكون، فلم يفاجئهم بشخص سيئ، ولم يدعهم إلى أمر شاذ لا يتصور ولا يعقل.
وبمتابعة خصائص الشخصية المحمدية نبدأ من الأصول والجذور، لنرى كيف أودع الله فيه يجعلنا نؤمن بحكمة الله في هذا الاختيار، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ١.
وفي هذا الفصل سأتناول الحديث عن سيرته صلى الله عليه وسلم من مولده، ومرورا بنشأته، وزواجه، ومبعثه، وتكريم الله له، ومعونته إياه، في مباحث متتابعة حتى نصل إلى الهجرة إلى المدينة المنورة نهاية المرحلة المكية.
وسوف أعتمد -بإذن الله تعالى- على ما رواه المؤرخون، وعلماء السير، وبخاصة ما صح منها.
وسوف تكون الأحداث ممثلة للسيرة النبوية بكمالها في عدد من المباحث، وذلك فيما يلي: