للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصل، والبعد عن الدنايا وصغائر الأمور.

كان صلى الله عليه وسلم نتاج هذه السلسلة الكريمة التي يفتخر بها، وتذكرها العرب له، وقد أقر خصومه في مكة بهذه الحقيقة، وهي في أشد حالات العداء معه.

يروي البخاري أن هرقل أرسل إلى أبي سفيان ومن معه، وكانوا في تجارة بالشام، فدعاهم إلى مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا ترجمانه.

فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟

فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا.

فقال هرقل: ادنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره.

ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه.

يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟

قلت: هو فينا ذو نسب.

ثم سأله عدة أسئلة وأبو سفيان يجيبه، وأخيرا قال هرقل لترجمانه: قل لأبي سفيان: سألتك عن نسبه فقالت: هو فينا ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها١.

والمهم أن أبا سفيان يومئذ كان على الكفر، ولم يدخل في الإيمان بعد، ومع ذلك نطق بالحق، وشهد بعلو نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول ما سأل عنه هرقل لمعرفته بضرورة سمو نسبه، وطهارته إن كان رسولا صادقا..

إن معرفة خصائص النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر على تقويم صاحبه وتقدير شأنه، وإدراك مستقره في الأمور، فالخلق الغالب على الأصل ينزع عنه الفرع ولا يتغير بالإسلام إلا إلى الأفضل.

أخرج الشيخان وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تجدون


١ صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب بدء الوحي ج١ ص٣١، ٣٢.

<<  <   >  >>