للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففكر وقال: والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بإساءته، وببركة ذلك النور قال لأبرهة: إن لهذا البيت ربا يحفظه"١.

ومع سلامة النسب النبوي وأصالته أرى توضيح أمرين:

الأمر الأول: يتصل بتوحيد آباء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن منهم من عاصر الأنبياء، ومنهم من كان بعيدا عنهم، أما من كان نبيا أو عاصر نبيا، فإنه كان على التوحيد الخالص الواضح الذي جاء من عند الله تعالى، بكل ما يلزمه من اعتقاد وشريعة وأخلاق، أما من بعد منهم عن زمن الأنبياء فإنه كان على توحيد يبعده عن تأليه الصنم وعبادته، مع غياب تعاليم الرسالة السابقة؛ ولذلك لم يكن لهم دين واضح بتعاليمه وتفصيلاته.

إنهم لم ينغمسوا في الشرك، ولم يكونوا سدنة الأصنام، ولا كهنة الآلهة، مع ما لهذه الأعمال من أهمية في الحياة الجاهلية، ومع منزلتهم في قبائل مكة، التي تمكنهم من الحصول على ما يريدون، ولو كانوا من الكهنة ما منعهم أحد، لكن الله أنقذهم منها.

إن بعدهم الزمني عن رسالات الله أنساهم كثيرا من الحقائق الدينية، شأنهم في ذلك شأن الحنفاء الذين رفضوا عبادة الأصنام، ورأوا ضرورة وجود إله واحد قدير، واهتموا في البحث عن دين إبراهيم عليه السلام؛ ولذلك لم تكن لآباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة دينية، ولم يقوموا بنشر عقيدتهم في الناس، إلا أن الله أكرمهم بالتوحيد، وخصهم بالخيرية، وفضلهم على الناس، ليذكر الرسول بهم، وحتى لا تلحقه منقصة بسببهم، يعيره بها المشركون والكافرون.

الأمر الثاني: أهل الفترة وآباء النبي: يراد بالفترة المدة الزمنية بين رسولين، وبخاصة إذا طالت المدة، وغابت تعاليم الرسول السابق كليا أو جزئيا.


١ الحاوي ج٢ ص٣٨٢.

<<  <   >  >>