قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له: سطيح.
قال: فائته فأسأله عما سألتك عنه، ثم ائتني بتفسيره، فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح، وقد أشفى على الضريح، فسلم عليه وكلمه، فلما سمع سطيح قوله، رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساواة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته١.
والإرهاصات التي ذكرها مؤرخو السيرة عديدة، وكلها تشير إلى حدوث أمر جديد يتأثر به العالم كله، ويصل خبره ونفعه إلى كل مكان في أرض الله تعالى.
أدرك من شاهد هذه الإرهاصات أو بعضها حدوث هذا التغيير، لكنه لم يرتبط في أذهانهم بالمولود الجديد، اللهم إلا نفر قليل من أهل الكتاب الذين كانوا يقرءون الكتاب، ويرون صفة رسول الله، الذين يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، وسار العلماء القدامى على تصديق كل أثر صح سنده، فلم يبحثوا عن علة الأثر أو غايته؛ لأنهم رأوا أن من الأخبار ما هو متصل بأمر خارق للعادة، لا يصل العقل إلى كنهه وحقيقته، مما جعلهم يقفون عند حد ثبوت النص وتصديقه والعمل به، ورأينا العلماء القدامى يروون إرهاصات النبوة في مؤلفاتهم ودروسهم ولم يعلقوا عليها، مما يدل على أنهم راضون عنها، سعداء بذكرها.