وعلى أساس فكرهم هذا رفضوا كثيرا من الإرهاصات، كما رفضوا كثيرا من أحداث السيرة لخروجها على عادة العقل، وسكوت القرآن عنها، ولربما جاءوا لموضعها في القرآن الكريم وأولوه، بما يؤيد موقفهم الرافض لمرويات السيرة والتاريخ، وذلك كموقفهم من شق الصدر وغيرها.
وحين ننظر إلى هؤلاء ندرك الفرق بينهم، فكلاهما يرفض إلارهاصات المروية، إلا أنهما يختلفان في سبب الرفض؛ حيث يذهب الفريق الأول في سبب رفضه إلى عدم فائدتها للدعوة، بينما الفريق الثاني ينكر وجودها لعدم تسليم العقل بها.
وقبل أن نرد عليهم أشير إلى أن أحداث هذه الإرهاصات جاءت على غير ما ألفه الناس، وأقل ما تتركه في عقولهم البحث عن فاعلها، وعن أسباب وقوعها بهذه الصورة الخارقة، وهذا كافٍ في توجيه أنظارهم إلى التفكير والتدبر، وإن لم يصلوا لشيء.
إن الفريقين على خطأ فيما ذهبا إليه لأسباب كثيرة أهمها:
أولا: ضرورة التفريق بين الجانب العقلي والصورة النبوية؛ لأن النبوة وحي مستمد من الله تعالى، وقدرة الله تعالى مطلقة، تعلو كثيرا عن نطاق العقل البشري وطاقته.
وإذا كانت النبوة محاطة بخوارق العادات، فكيف تدرك حقائق هذه الخوارق بالعقل المحدود.
لقد حاول كفار مكة مواجهة النبوة بعقولهم:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ١ وحجتهم فيما طلبوه أن النبوة رئاسة وقيادة، وجدير بها العظماء المشهورون بالغنى والجاه والسطوة؛ ولذلك طلبوها لأحد عظماء مكة أو الطائف.