للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا موضع هنا لاختلاف، فما من بشارة قط من تلك البشائر كان لها أثر في إقناع أحد بالرسالة يوم صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

ولم يكن ثبوت الإسلام متوقفا عليها؛ لأن الذين شهدوا العلامة المزعومة يوم الميلاد لم يعرفوا يومئذ مغزاها ومؤداها، ولا عرفوا أنها علامة على شيء، أو على رسالة ستأتي بعد أربعين سنة، ولأن الذين سمعوا بالدعوة، وأصاخوا إلى الرسالة بعد البشائر بأربعين سنة لم يشهدوا بشارة واحدة منها، ولم يحتاجوا إلى شهودها لؤمنوا بصدق ما سمعوه واحتاجوا إليه.

وقد ولد مع النبي صلى الله عليه وسلم أطفال كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها، فإذا جاز للمصدق أن ينسبها إلى مولده جاز للمكابر أن ينسبها إلى مولد غيره، ولم تفصل الحوادث بالحق بين المصدقين والمكابرين، إلا بعد عشرات السنين، يوم أتت الدعوة بالآيات والبراهين، غنية من شهادة الشاهدين، وإنكار المنكرين، أما العلامة التي لا التباس فيها، ولا سبيل إلى إنكارها، فهي علامة الكون، وعلامة التاريخ، قالت حوادث الكون: إن الدنيا في حاجة إلى رسالة، وقالت حقائق التاريخ: محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب تلك الرسالة، ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون، وعلامة التاريخ؟ ١.

ومنهم مَن رأى ضرورة عرض هذه الإرهاصات على العقل، فهو ميزان القبول والرفض لأي قول، في إطار الأسس العلمية، التي أخذوها من المستشرقين؛ حيث يعتمدون على العقل اعتمادا كاملا في إدراك كل شيء.

وحتى تظهر النظرة العقلية في صورة الحياد العلمي عند أصحاب هذه الاتجاه نراهم يعرضون المرويات على القرآن الكريم أحيانا، فما اتفق معه منها قُبل، وما لم يتفق فمصيره الرفض وعدم القبول، مع أن القرآن يتحدث عن الخوارق المعجزة وغيرها.


١ مطلع النور ص١١-١٣.

<<  <   >  >>