وما كان المستشرقون في تركيزهم على بشرية الرسول إلا متابعين في ذلك لهذه النزعة، وكل من يركز على بشرية الرسول من الكُتَّاب المسلمين إنما هو بذلك يتابع المستشرقين والمبشرين في هذه النزعة، أو يتابع أبا جهل، وهم في ذلك ليسوا تقدميين ولا تطوريين، وإنما هم من الرجعيين حيث ترجع فكرتهم إلى ما قبل خمسة عشر قرنا مضت، وينزعهم فيها أبو الجهل كله، وأبو الظلمة القلبية كلها!!!
ليس هناك إذن اجتهاد وخطأ وصواب، وإنما هناك تصرفات تصدر عن الكرم والرحمة، فيتحدث الله مبينا طبيعة رسوله الكريمة، فطرته الرحيمة، ورأفته الواضحة، ويبين في الوقت نفسه: أن بعض هؤلاء الذين فاضت عليهم هذه الرحمة ليسوا جديرين بها، وليسوا أهلا لها، لفساد طويتهم وسوء نواياهم.
ومن الحقائق المعروفة: أن الإنسان يميل إلى التركيز على "بشر" أو على "يوحى إلي" حسب قوة شعوره الديني وضعفه، فالذي لا إيمان له لا يرى إلا البشرية والعقل والمنهج الوضعي، ومن ضعف إيمانه يركز على البشرية، ويخفف التركيز على البشرية كلما قوي الإيمان، ويزداد التركيز على:"يوحى إلي" كلما ازداد الإيمان حتى يصل الإنسان إلى مستوى ألا يرى، أو يكاد يرى إلا "يوحى إلي"..
وهناك إذن طرفان يمثلان فريقين من الناس، طرف "بشرا" أو {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} وطرف {يُوحِي إِلَيَّ} أو "رسولا"، وبين الطرفين يتأرجح عدد لا يحصى من المسلمين نزولا وارتفاعا، وانخفاضا وسموا.
إن مقياس الإيمان قوة وضعفا، ومقياس درجة الإيمان الذي لا يخطئ، إنما هو ما وقر في القلب، أو غلبه عليه من "البشرية" أو من "يوحى إلي" إنهما يمثلان ما يوضع في كفتي ميزان.
إن النبوة اصطفاء إلهي، واختيار رباني، لا يدرك سرها إلا القادر العظيم، ومن الضروري أن توضع في موضعها، ويقف العقل عند حده، وبذلك يتميز جانب