لقد كان صلى الله عليه وسلم في حركته بالدعوة واقعيا، ربَّى أصحابه على الصبر وتحمل المشاق، وتحمل صلى الله عليه وسلم من أذى أعدائه ما لا يتصوره عاقل، وبذلك بنَى أمته على الإيمان بسنن الله في الحياة والأحياء، وأبعدها عن الجري وراء الخيال والأوهام.
إن الحقيقة يجب أن تعرض في ثوب يليق بها، ثوب خالٍ من المبالغة والتهويل، بعيد عن الإخفاء والصمت؛ لأن كل ذلك يبعدها عن صورتها المستقيمة.
والسيرة النبوية هي شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقية، وتاريخ الدعوة هو الحركة الحقيقية بدين الله تعالى وتبليغه للناس.
وهاتان القضيتان -السيرة وتاريخ الدعوة- من أمهات الحقائق التي يجب أن يعيشها الناس، بعقل مفتوح، وتأمل دقيق، وتفهم واعٍ، من أجل أن تظهر فترة الدعوة المكية والمدنية -كما كانت- بنبضها الحي، وقوتها المتدفقة.
ومن أفضل السبل لعرض حقائق السيرة والدعوة أن نأخذ من المؤرخين القدامى والمحدثين ما يفيد، فمن القدامى نأخذ: حشد الآثار، وتمحيص الأسانيد، وحقائق الوقائع والأحداث.. ونأخذ من المحدثين: التفحص، والتحليل، والموازنة، واستنباط الدروس، والعبر.
وبذلك نعرض أحداث السيرة، ووقائع الدعوة بوسطية حية، محببة، يتأسى بها من كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرا.
إنني أكتب في السيرة كمؤمن محب لصاحب السيرة، سيدي محمد صلى الله عليه وسلم، تدفعه عواطفه المحبة إلى مواصلة المديح والإشادة، ويدفعه إيمانه إلى التزام الدقة والصدق، الذي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله أن رواية الصدق لا تُظهر إلا عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكتب في الدعوة كذلك كعالِم شرفه الله بالتخصص في علوم الدعوة، وقدر الله تعالى -بفضله ومننه- عليَّ العمل لها؛ ولذلك فإني أود أن آخذ من السيرة الدروس المفيدة للدعوة والدعاة، وأحبب الدعاة في أن يعيشوا مع السيرة فهما واستفادة وعملا.