نغذوه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فشق ذلك علينا ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء.
فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعة، من والد المولود، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن نصنع أمه؟ وما يفعل جده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعا غيري.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي، ولم آخذ رضيعا.
قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت إلى رحلي١.
وقد رأت حليمة فضل الله عليها عقب عودتها إلى رحلها بمحمد صلى الله عليه وسلم، تقول: "فلما وضعته في حجري، أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي.
ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.
وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا لبنها حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا ليلتنا تلك بخير ليلة شباعا رواء، وقد نام صبيانا.
يقول أبوه -يعني زوجها- والله يا حليمة، ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة، قد نام صبيانا ورويا.
فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
ثم خرجنا وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يابنة أبي ذؤيب، ويحك، أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟