ولا عناء معهم في السعي والتجارة، ولا تعب في الترقي والصناعة، إن حياتهم الرتيبة تصنع الهدوء والاستقرار.
٢- تصنع البادية من أبنائها رجالا يعتمدون على أنفسهم، فليس لهم جيش يحميهم، ولا رجال أمن يحرسونهم، وإنما يعتمد كلٌّ على نفسه؛ ولذلك ينشأ البدوي على الجرأة والشجاعة، ويتعود الإقدام وعدم الخوف، ويعتمد البدو على أنفسهم في الدفاع والنصرة والحماية.
٣- يعيش أبناء البادية في مجتمع مغلق، لا يأتيهم غريب ولا يعيش بينهم أجنبي، وهذا الوضع ساعدهم على المحافظة على الفطرة الطبيعية، واللغة الفصيحة، والنسب الصريح، والقوة البدنية، في ترابط الأقارب، ومودة المحبين.
إن الآباء قصدوا تربية أبنائهم في البادية؛ لينشئوا أقوياء البنية، فصحاء اللسان، حسني الأخلاق، يتميزون بهدوء الطبع، وشجاعة السلوك، وحب التعاون والتواد، وتلك عوامل أرادها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فأرضعته حليمة السعدية ونشأ في ديار بني سعد؛ ليستفيد بما أراده الله له.
عادت حليمة السعدية بمحمد إلى أمة السيدة آمنة بعد تمام إرضاعه وفصاله، وذلك على عادة سائر المراضع مع أبنائهن، ولم تكن حليمة سعيدة بعودته لأمه؛ لأنها تخاف توقف الخير الذي تدفق عليها، تقول حليمة:"فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته"١.
عرضت حليمة على آمنة أن تعود بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى ديارها مرة ثانية لتستمر بركته، ولتبتعد به عن وباء كان بمكة يومذاك، فوافقتها آمنة، وأعادته معها مرة ثانية إلى ديار بني سعد، وبخاصة أن مكة يومذاك كانت موبوءة، وأملت أن يزداد محمد نضارة وازدهارا ونموا في بدنه وعقله وشخصيته، ليشب رجلا له قدره ومنزلته