وهكذا كان تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لمرضعته حليمة؛ وفاء لحقها، وبرا بأمومتها، وتكريما لوفادتها.. لم ينسه تغير الحال ما أسدي له من جميل..
ولم يتصور أن ما أخذته من أمه أجرا كافيا في حقها، بل كان صلى الله عليه وسلم يقدر زوجها وأبناءها، فهم أبوه وإخوته في الرضاعة، أخرج أبو داود عن عمر بن الحارث أن عمر السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه، فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله فأجلسه بين يديه١.
وبعد فتح مكة كانت غزوة حنين، وأسر النبي صلى الله عليه وسلم عددا من هوازن قبيلة حليمة، فجاء وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة لفك أسراهم، وكان رأس القوم، والمتكلم فيها "أبو صرد زهير بن صرد" فقال: إن في هذه الحظائر "مكان الأسرى" أخواتك، وعماتك، وخالاتك، وبنات عمك، وبنات خالاتك، وأبعدهن قريب منك، بأبي أنت وأمي! إنهن حضنك في حجورهن، وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن، وأنت خير المكفولين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أحسن الحديث أصدقه، وعندي من ترون من المسلمين، أفأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم، أم أموالكم؟ ".
فقالوا: يا رسول الله، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، وما كنا لنعدل بالأحساب شيئا، فرد علينا أبناءنا ونساءنا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس، فإذا صليت بالناس الظهر فقولوا: نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، فإني سأقول لكم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأطلب