للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن رعاية الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أبي طالب أنه كان إذا وضع الطعام لأولاد أبي طالب سبقوه إليه، ويتقاصر هو، وتمتد أيديهم، وتنقبض يده تكرما واستحياء وقناعة، ومع ذلك يصبح صقيلا دهينا، كأنه في أنعم عيش، وأعز كفاية؛ لطفًا من الله عز وجل.

رأى محمد رغم صغره حاجة عمه أبي طالب للمال، فأخذ على عاتقه أن يعمل ويكتسب شيئا يعين به عمه.

وأراد الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى الناس، ويختلط بهم، ويتعامل معهم، في بيئته، وبعيدا عنها؛ لينال أهلية الرسالة بصورة عملية تطبيقية.

إن التربية العملية لها دور رئيسي في بروز الشخصية السوية، وكلما اختلط الصغير بالناس اكتسب خبرة ومعرفة، وكلما سافر ورحل عرف المزيد؛ لهذا نرى -والله أعلم- أن الله هيأ لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم مجالا رحبا لهذه التنشئة..

لقد عاش في بادية بني سعد خمس سنوات، اختلط بالناس وقام بالعمل والنشاط، تقول حليمة: "بينما هو صلى الله عليه وسلم يلعب وأخوه خلف البيوت يرعيان بهما لنا"١.. ورحل إلى المدينة برفقة أمه في رحلتها التي ماتت فيها.. وأقام بالمدينة شهرا.. وفي كفالة جده اختلط بحكماء مكة ورجالاتها..

ومع عمه أبي طالب رأى حنان الأب واهتمامه؛ حيث كان يصطحبه معه أينما ذهب، وكان يحبه حبا شديدا، لا يتركه ينام إلا بجواره، ولا يخرج إلا في معيته، ولا يطعم أبناءه إلا وهو معهم.

وكان عمه لا يطمئن عليه إلا وهو معه؛ ولذلك كانت ملازمته له دائمة ومستمرة.


١ سير أعلام النبلاء ج١ ص٥١.

<<  <   >  >>