للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهيأ الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أسباب الاتصال بالناس، والالتقاء بهم، مع اختلاف المذاهب والاتجاهات والعادات، فقام بأعمال عديدة ذكرها مؤرخو السيرة، ومنها ما يلي:

أولا: الرحلة الأولى إلى الشام، وقصة بحيرى الراهب

أراد أبو طالب أن يسير في ركب الشام للتجارة، فلما عزم على السفر تعلق به محمد صلى الله عليه وسلم قائلا له: "أي عم، إلى مَن تخلفني هاهنا؟ "، فرق له قلب عمه، وأخذه معه، وأردفه خلفه على بعيره، واتجهوا صوب الشام مع القافلة.

وكان للنصارى عدد من الأديرة في الطريق، يسكنها الرهبان المنقطعون للعبادة، وهم الذين يعلمون ما بقي من دين عيسى عليه السلام، ويبدو أن هؤلاء الرهبان كانوا على علم بأوصاف النبي المنتظر {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ} ١، وكما يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ٢.

لقد وصلت هذه المعرفة لديهم أن علموا ضرورة أن يكون النبي يتيما، وأن يكون موسوما بخاتم النبوة، وأن خوارق الطبيعة تحيط به، وكانوا يعلمون أن هذا النبي سيلقى كراهية اليهود؛ لأنهم يرغبون في أن تكون النبوة لهم ومنهم.

ويبدو أن هذه المسألة كانت معلومة لعديد من الرهبان والقسس؛ لأن ركب أبي طالب ومحمد نزل أولا في دير قريب بشمال الحجاز، فالتقوا مع صاحبه، فنظر صاحب الدير لمحمد، وقال لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟


١ سورة الأعراف آية ١٥٧.
٢ سورة البقرة آية ١٤٦.

<<  <   >  >>