فقال الراهب: ما هو ابنك، وما ينبغي أن يكون له أب حي.
قال أبو طالب: ولِمَ؟
قال الراهب: لأن وجهه وجه نبي، وعينه عين نبي.
فقال أبو طالب: وما النبي؟
فقال له الراهب: الذي يوحى إليه من السماء فينبئ أهل الأرض، فاتقِ عليه من اليهود.
لقد كانت هذه الأديرة أماكن يستريح بجوارها المارة الذاهبون إلى الشام أو العائدون منها، ففيها من أسباب الحياة ما يشجع على الراحة عندها.
وكان أبو طالب يسمع من راهب الدير الذي ينزل عنده ما سمعه من غيره، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يابن أخي، ألا تسمع ما يقولون؟
فقال له محمد: أي عم، لا تنكر لله قدرة!!
وكانت الوقفة الكبرى حين بلغ الركب مدينة بصرى، فنزل الجميع وجلسوا تحت شجرة قريبة من دير "بحيرى".
يقول ابن إسحاق: "فلما نزل الركب أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيرى، في صومعة له، وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب، إليه يصير علمهم عن كتاب فيها، يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يكلمهم، ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا، وذلك عن شيء رآه، يذكرون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم، تتحرك بحركته، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا من بحيرى، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها.