للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨- التأمل والتفكير:

وراعي الغنم الذكي القلب يجد في فسحة الجو الطلق أثناء النهار، وفي تلألؤ النجوم إذا جن الليل موضعا لتفكيره وتأمله يسبح منه في هذه العوالم، يبتغي أن يرى ما وراءها، ويلتمس في مختلف مظاهر الطبيعة تفسيرا لهذ الكون وخلقه.

أليس هو يتنفس هواءه ولو لم يتنفسه لمات؟!..

أليست تحييه أشعة الشمس، ويغمره ضياء القمر، ويتصل وجوده بالأفلاك والعوالم جميعا؟!..

هذه الأفلاك والعوالم التي يراها في فسحة الكون أمامه، متصلا بعضها ببعض في نظام محكم {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} !!

وإذا كان نظام هذا القطيع من الغنم أمام محمد يقتضي انتباهه ويقظته حتى لا يعدو الذئب على شاة منها، وحتى لا تضل إحداها في مهامه البادية، فأي انتباه وأية قوة تحافظ على نظام العالم كله مع إحكامه الموجود؟!!..

إن رعي الغنم مدرسة تحتاج إلى قوة البدن، وقوة العزيمة، والهدوء والأناة، مع الصدق والإخلاص، وقصد الاستفادة والتعلم.

وقد جعل الله رسله رعاة للغنم ليتعلموا منها الكثير، في إطار معونة الله ورعايته لهم.

ولكن، لِمَ كانت الفوائد في رعي الغنم خاصة دون سائر الأنعام كالإبل والبقر وغيرها؟..

وأرى أن السر في اختيار الغنم لذلك -والله أعلم- كثرة عددها، وسرعة حركتها، وسهولة تفرقها؛ لعدم ربطها أو تقييدها، أما الإبل والبقر والخيل، فعددها قليل وربطها وتقييدها بالحبال أمر عادي، وكأن الله تعالى يعلم رسله -عليهم السلام- حسن التعامل مع الناس وهم أحرار.

<<  <   >  >>