للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامسا: الرحلة الثانية إلى الشام، التجارة لخديجة

بلغ محمد صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة، وكان يهتم بأحوال عمه أبي طالب، وبكثرة عياله، لما بلغ هذا السن وجد أن رعي الغنم لم يعد يناسبه، ودخله من الرعي قليل، لا يفي بحاجته وعمه، فأخذ يفكر في عمل آخر يحقق له ما يتمنى.

ولم يطل به البحث؛ إذ قال له عمه أبو طالب: يابن أخي، أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليست لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر أوان خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرانها، فيتجرون لها في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها، وعرضت نفسك عليها، لأسرعت إليك، وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه: "فلعلها ترسل إليَّ في ذلك"١.

وخديجة رضي الله عنها امرأة قرشية، كثيرة المال، عريقة الأصل، حسيبة، نسيبة، كانت تتجر بمالها، وترسل عيرانها مع القوافل برجال تستأجرهم، أو تضاربهم بجزء من الربح، وقد اشتهرت مكة بالتجارة حيث لا زرع فيها ولا صناعة، وكل ما فيها من بضاعة فهو مستورد من الشام، أو من اليمن، أو من غيرهما، وعادة التجار البحث عن الرجل الأمين، يتعاملون معه؛ صيانة للمال، ومحافظة عليه من الضياع.. وقد رغب أبو طالب من محمد ابن أخيه أن يذهب لخديجة يتاجر لها في مالها؛ لشدة ثقته في ابن أخيه، ولما اشتهر به في مكة بالأمانة والصدق، ولما عرف عن خديجة من حسن المعاملة، والمسارعة في إعطاء الحقوق،


١ سبل الهدى والرشاد ج٢ ص٢١٤.

<<  <   >  >>