للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجعله على رقبته، يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر؛ إذ لكمني لاكم لكمة وجيعة، ثم قال: شد عليك إزارك.

فأخذته وشددته عليَّ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري عليَّ من بين أصحابي".

يقول السهيلي: ورد مثل هذا الحديث الصحيح في بنيان الكعبة، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل الحجارة مع قومه، وكانوا يحملون أزرهم على عواتقهم لتقيهم قسوة الحجارة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها على عاتقه، وإزاره مشدود عليه، فقال له العباس رضي الله عنه: يابن أخي، لو جعلت إزارك على عاتقك، ففعل فسقط مغشيا عليه، ثم قال: "إزاري، إزاري"، فشد عليه إزاره، وقام يحمل الحجارة١.

ولا مانع من تكرار هذا التوجيه القدري ليبقى محمد صلى الله عليه وسلم في طهارته وسموه.

يروي ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام لما عرف عنه من العقل والحكمة؛ ولذلك لما بعث ناداهم، وسألهم عن خُلُقه وصدقه، فأقروا له بما عملوا منه.

يروي البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ٢، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صَعِدَ الصفا فهتف: "يا صباحاه".

فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمعوا إليه.

فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ ".

قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا قط.

قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد".

قال أبو لهب: تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا؟! ٣.


١ سيرة النبي لابن هشام ج١ ص١٨٣.
٢ سورة الشعراء آية ٢١٤.
٣ صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب التفسير - باب تبت يدا ج٨ ص١٣٧.

<<  <   >  >>