للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها١، وإذ تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بظن إبهامه اليسرى٢.

وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه٣، جل ضحكه التبسم يفتر عن مثل حب الغمام٤.

٥- كمال العقل: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سن الأربعين تميز بكمال العقل، وحسن تقدير الأمور، واتخاذ القرار السديد، ولعل فيما حباه الله به من عمل وترحال، وأحداث وأحمال، أثرا في تكامل عقله صلى الله عليه وسلم.

ومما يدل على هذا الكمال قراره يوم بناء الكعبة؛ إذ حكم بين الذين اختلفوا فيمن يرفع الحجر الأسود ويضعه في موضعه حُكْما أرضاهم جميعا مع بساطته ويسره.

ومع رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم أنه تمكن من التعامل مع كافة طبقات الناس، وأنواعهم، وأجناسهم، في البيئات المختلفة، فأقروا له جميعا بكمال عقله، وسمو خلقه.


١ والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أشار إلى شيء: إنسان أو غيره، أشار بكفه كلها، ولا يقتصر على الإشارة ببعض الأصابع؛ لأنه شأن المتكبرين والمحتقرين لغيرهم، وإذا تعجب صلى الله عليه وسلم من أمر قلب كفه، كما هو شأن كل متعجب.
٢ يعني: أنه صلى الله عليه وسلم إذا تحدث اتصل بحديثه بكفه اليمنى، وذلك لتأكيد الكلام وتقويته في النفوس، وزيادة إيضاحه بإشارات الكف، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى؛ اعتناء بذلك الحديث، ودفعا لما يعرض لنفس السامع مع الفتور أو الغفلة عن الحديث.
٣ أي: إذا غضب من أحد أعرض عنه، فلا يقابله بما يقتضيه الغضب؛ امتثالا لقوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} . وأشاح: أي بالغ في الإعراض وعدل عنه بوجهه صلى الله عليه وسلم، وإذا فرح صلى الله عليه وسلم من شيء غض طرفه، ولا ينظر إليه نظر شره وحرص.
٤ أي: معظم ضحكه صلى الله عليه وسلم إنما هو التبسم، ويفتر: أي يضحك ضحكا حسنا كاشفا عن سن مثل حب الغمام في البياض والصفاء، وحب الغمام هو البَرَد -بفتحتين- الذي يشبه اللؤلؤ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا تبسم بدت أسنانه الشريفة كاللؤلؤ اللامع.

<<  <   >  >>