للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أمر اختلف العلماء فيه، وقد روى ابن كثير في تاريخه طرفا من آرائهم في الشرع الذي كان يتعبد عليه.

فقيل: كان صلى الله عليه وسلم يتعبد بشرع نوح عليه السلام.

وقيل: كان يتعبد بشرع إبراهيم عليه السلام.

وقيل: كان يتعبد بشرع موسى عليه السلام.

وقيل: كان يتعبد بشرع عيسى عليه السلام.

وقيل: كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به.

ولعل هذا القول الأخير أقوم من غيره، فهو الذي يتفق وما شغف محمد به من التأمل، ومن التفكير، وما عرف عن غياب الشرائع يومذاك، حتى أن كثيرا من الحنفاء لم يصلوا إلى شيء رغم ما بذلوا من جهد للوصول إلى دين حقيقي.

واستمر محمد على عادته تلك في حب الخلاء، والانقطاع له، ومداومة البحث عن الحقيقة؛ حتى هداه الله إليه بنزول الوحي، وبدء الرسالة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} ١.

يذهب المفسرون في بيان المعنى المراد من الضلال إلى معانٍ كثيرة:

- فهو بمعنى: الغفلة عما يراد بك من أمر النبوة.

- وبمعنى: عدم معرفة دين وشرع ما، فهداك الله للإسلام وشريعته.

- وبمعنى: في وسط ضلال قومك وكفرهم فهداهم الله بك.

- وبمعنى: الحيرة فيما ترى، فعرفك بالصواب والحق٢.

وهذه المعاني تلتقي في معنى عام واحد، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن طريق الحق والهدى، وسط قومه الغافلين، ولم يكن يتصور أن النبوة ستأتيه،


١ سورة الضحى آية ٧.
٢ انظر: تفسير القرطبي ج٢٠ ص٩٦، ٩٧.

<<  <   >  >>