للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتاج كذلك إلى تعلم كيفية الاتصال بخالقه، والتعامل مع الملائكة، واستقبال الوحي بمختلف صوره وأشكاله.

وقد تجلت فيوضات الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم بصورة رقيقة، شفيقة عمادها الرحمة والمودة، وعناصرها الترقي ببشرية محمد ليكون نبيا ورسولا.

وكانت رحمة الله مع محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءه وحي الله تعالى؛ إذ كلفه بالنبوة أولا، وجاءه الوحي ينبئه، ومن المعروف أن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلما خبر صلى الله عليه وسلم الوحي، ورأى صوره، وأنواعه، وأصبح متآلفا مع لقائه جاءته الرسالة، فصار رسولا نبيا.

والنبوة أخص من الرسالة؛ لأن النبوة تعني نزول الوحي من عند الله، إلى من يختاره الله تعالى من الناس؛ ليعلم ويعمل بما أوحي به، وهي تعليم لمن تنبأ خاصة، أما الرسالة فإنها الوحي يأتي للشخص المختار على أن يعلمه ويقوم بتبليغه للناس ويعمل به، فهو رسول الله إليهم.

وعلى هذا فكل رسول نبي، وليس بلازم أن يكون النبي رسولا..

ولقد نبئ محمد صلى الله عليه وسلم وجاءه الوحي من عند الله، واستمر على ذلك مدة تعد تمهيدا لإرساله، أراد الله أن يهيئه خلالها للتعامل مع الملائكة، والاتصال بالله، ويعرفه كذلك بكل ما تحتاجه الرسالة من أمور لا بد منها للرسول المختار.

إن الرسول بشر يتصل بالله وبالناس، ولا بد له من أن يتصف بصفات ذاتية ترتقي به إلى درجة الكمال البشري والسمو الروحي؛ ليسهل عليه الاتصال بالملأ الأعلى بجانبه الروحي، والتعامل مع الناس بجانبه البشري في توازن وانسجام.

وقد بدأت نبوة محمد بأوليات الوحي كما أرادها الله تعالى، ولم يكلف بالرسالة إلا بعد أن أصبح مؤهلا لها، مستعدا للقيام بواجبها١.


١ انظر: أعلام النبوة للماوردي ص١٧٥-١٨٠، ويرى الماوردي أن الوحي تدرج مع رسول الله منزلة بعد أخرى، فبدأ بالرؤيا ثم بالنداءات، ثم بالنبوة، ثم بالرسالة ... إلخ.

<<  <   >  >>