للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كان صلى الله عليه وسلم في مرحلة النبوة يخاف من الوحي يأتيه بإحدى صوره؛ ولذلك كان يأتي لخديجة شاكيا، ويقول لها: "خشيت على نفسي"، ويصف الرجل الذي يظهر أمامه ويقول: "سطا عليَّ الرجل"، وكان يجري منه محاولا الهرب من أمامه، أما في مرحلة الرسالة فكان يأنس بالوحي، ويتعجله، ويخاف أن يتركه ولا يأتيه..

ولقد اختلف الوحي مع محمد صلى الله عليه وسلم في فترة النبوة عن الوحي في فترة الرسالة، يقول القاضي عياض: وإنما بدأ الوحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤيا؛ لئلا يفجأة الملَك، ويأتيه بصريح النبوة بغتة، فلا تتحملها قواه البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا، وما جاء من رؤية الضوء، وسماع الصوت، وتسليم الحجر والشجر عليه بالنبوة، حتى يستشرف عظيم ما يراد به، ويستعد لما ينتظره، فلم يأته الملَك إلا بأمر عنده مقدماته١.

يقول ابن كثير: وبدء الوحي بصورة التدرج يهدئ القلب، ويطمئن النفس..

ومن صور الوحي في بدايته ما يلي:

١- الرؤيا الصادقة:

إذا نام الإنسان انقطع عن عالم الناس، وعاش مع باطنه وإدراكاته اللاشعورية، وخلال النوم تهيم نفس النائم في رؤى تتضمن أفكارا وأحداثا، لا يمكن له أن يتصور حدوثها في حالة اليقظة؛ ولذا كانت الرؤى المنامية تدريبا للإنسان وهو في عالم اللاشعور، على ما سوف يراه في عالم الإدراك والشعور.

إن علماء النفس المعاصرين يزرعون في الإنسان مبادئهم الضارة، وقيمهم المادية، وهو نائم، وذلك بوضع تسجيل صوتي تحت رأسه وهو نائم تحببه فيما يرغبون، وتتحدث عن مزايا ما يدعون إليه، فإذا ما استيقظ الإنسان يجد عقله مشغولا بما سمعته روحه أثناء نومه، من غير إدراك سبب هذا الانشغال.


١ الشفا ج١ ص٣٦٠ بتصرف.

<<  <   >  >>