للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحي بعد أن عاش الرؤى، وسمع النداء، وشاهد الجمادات تناجيه، وعاش الخلوة بفكره، أراد الله له بعد ذلك أن يتعود على صورة الوحي التي ستستمر معه، وقد كان، فجاء جبريل وأقرأه أول سورة العلق.

الثانية: في بدء الوحي بـ"اقرأ" بيان لموقف الإسلام من القراءة، ومن العلم كله، فالقراءة أساس معرفة الدين، بها يحفظ القرآن، وتصان السنة، وتفهم الشريعة، وبها تكون الدعوة، وحماية الإسلام ... وبالعلم تحيا الأمة، وتحافظ على الضرورات الشرعية جميعا، وتنظم كافة جوانب الحياة.

الثالثة: قدمت خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة للزوجة العظيمة المثالية، فلقد كانت تعيش حياة رسول الله لحظة بلحظة، تتمنى له الخير، تشاركه في كل ما يعن له، وتهتم بكل ما يهمه.

لقد أعطته مالها فأغنته صلى الله عليه وسلم به، وأبعدته عن متاعب الفقر ومشاغله، ولما بدأ الوحي مناما ونداء وضوءا كانت تطمئنه، ولكنها من ورائه كانت تبحث عن حقيقة ما يرى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه وحذرا.

وكان رضي الله عنها إذا غاب عنها ترسل في طلبه مَن يبحث عنه١..

كما ذهبت وحدها إلى ورقة، وأخبرته بخبر زوجها، تريد أن تعرف شيئا عنه، فقال لها ورقة: قدوس، قدوس، والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة٢.

ولم تكتفِ بما سمعت عن ابن عمها ورقة، بل ذهبت مرة أخرى إلى غلام لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس -نصراني من أهل نينوى- يقال له: عداس، فقالت له: يا عداس، أذكرك الله إلا ما أخبرتني: هل عندكم علم عن جبريل؟

قال عداس: قدوس، قدوس، ما شأن جبريل يُذكر هذه الأرض التي أهلها أهل أوثان.


١ البداية والنهاية ج٣ ص١٣.
٢ انظر ص٣١٢.

<<  <   >  >>