للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فوقف ثم قال: "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح"، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر، واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولا.

فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟! ثم انصرفوا عنه، قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط١.

وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ٢

وفي حديث أسماء: فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا، وعليه غدائر أربع، فخرج وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فلهوا عنه، وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا لا نمس شيئا من غدائره إلا رجع معا٣.

ولم نغادر فكرة قتله صلى الله عليه وسلم عقولهم، وبخاصة بعدما رأوا انتشار الإسلام، وصلابة المسلمين، وتأكدوا أن بقاء محمد صلى الله عليه وسلم سوف يؤدي إلى القضاء على عبادة الاصنام، وحرمانهم من السيادة والتسلط، وكان آخر محاولتهم مؤامرة ليلة الهجرة.


١ سيرة النبي لابن هشام ج١ ص٢٨٩، ٢٩٠، والغمز: الطعن والسب، ووصاة: أي توصية بالسوء، ويرفأ: أي يترفق.
٢ صحيح البخاري - باب ذكر ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ١/ ٥٤٤.
٣ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص١١٣.

<<  <   >  >>