للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال لها صلى الله عليه وسلم: "والله لئن كنت أنا هو، فقد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدا" ١.

يفقد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا طالب هذا، وخديجة هذه، في عام واحد، بل وفي أسبوع واحد.

ولذلك تألم كثيرا، وسُمي هذا العام عام الحزن..

والموت قدر الله على جميع الخلق فـ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ورسول الله صلى الله عليه وسلم أول المؤمنين بقدر الله تعالى، وهو أول الصابرين، وكان حزنه في حدود القدر المشروع.

وقضاء الله في موت أبي طالب وخديجة يتضمن حِكَما جليلة، منها:

* بيان أن حبيبه صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة في الصبر الأمثل، والتأسي الجميل، لقد ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يبتلى به الإنسان فلم يجزع، ولم يفرق، ولكنه كان خير معتصم بجناب ربه، وأفضل لائذ بحمى مولاه، وليس غريبا على الذي فقد أباه قبل أن يولد، وأمه وهو في الخامسة، وجده الذي كان عوضا عن والده وهو في الثامنة، وأولاده الذين يعتبرهم الناس زينة الحياة الدنيا وعزاه الله عن ذلك عزاء جميلا، ليس غريبا أن يعزيه الله أيضا عن فقد العم وفقد الزوجة، وعزاء الله خير عزاء.

* أراد الله أن تقولم أعمدة الإسلام على كواهل المسلمين أنفسهم، فلقد كان أبو طالب ينصر المسلمين مع احتفاظه بشركه، فربما لو امتدت حياته حتى انتصار الإسلام، وقيام دولة المسلمين، لنسب الناس ذلك إلى زعامة هذا العم ومعاضدته، ولكن الله كان أغير على دينه، وأحرص على توطيده بجنود الإيمان وأبناء الإسلام؛ ولذلك كانت الوفاة قبيل الهجرة بزمن وجيز.


١ فتح الباري ج٧ ص١٣٤، ١٣٥.

<<  <   >  >>