للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إطلاق عام الحزن على هذا العام فليس مرده إلى حزن النبي صلى الله عليه وسلم على فقد عمه وزوجه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصبر من أن تهزه أحداث الموت، ولو كانت مزلزلة، وهو أعرف الناس بالله، وأقربهم منه، وما شغل قلبه إلا بالدعوة الإسلامية، والحرص على إبلاغها للناس، والحرص على هدايتهم.. هذا هو الذي أحزنه، أحزنه أن هذه الوفاة سيكون لها أثر في انطلاق وحوش قريش، يقطعون الطريق في وجه الدعوة ويبطشون بكل من يعلن إسلامه.

إن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أجل انتصار الإسلام، ونجاح الدعوة، وكان يتألم كثيرا حينما يرى كفر قومه، وانصرافهم عن دين الله، يقول تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} ١.

ويقول سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ٢.

وقد حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعين بغير أهل مكة بعد وفاة عمه، فقام بمحاولتين داعيا إلى الله تعالى:

المحاولة الأولى:

ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف في الطائف، واصطحب معه زيد بن حارثة رضي الله عنه مولاه.

والطائف بلدة لطيفة، كثيرة الثمر، معتدلة المناخ، تقع شرقي مكة على مرتفع عال، وهي مشهورة بعنبها، وتينها، ورمانها، وتمرها، وأزهارها، وحدائقها الفيحاء، ولما وصل الرسول إليها ومعه زيد بن حارثة عمد إلى حيث يجتمع سادة


١ سورة الكهف آية ٦.
٢ سورة الأنعام آية ٣٣.

<<  <   >  >>