للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثقيف، فجلس إليهم، وكلمهم فيما جاء له، من طلب نصرتهم للإسلام، والقيام معه على من خالفه، على أن يعيش بينهم.

بدأ حديثه يأخذ بأفئدة أغلب الحاضرين، ويؤثر -كعادته- فيمن يصغون إليه، وإذا بثلاثة إخوة من أشراف ثقيف، ممن لهم الرأي المسموع فيها، يقطعون عليه حديثه، وهم: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب، أبناء عمرو بن عمير.

فقال أحدهما مكذبا: أقطع ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك يا محمد!

وقال الثاني: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟

وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسول الله كما تقول لأنت أعظم قدرا من أن أرد عليك، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك١.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من إيمان ثقيف، وقد قال لهم: "إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني"، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه، فيثيرهم ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، فدخله ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل شجرة من عنب، فجلس تحته، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف.

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك" ٢.


١ سيرة ابن هشام ج١ ص٤١٩.
٢ الكامل في التاريخ ج١ ص٣٤٥.

<<  <   >  >>