للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وإني أرى تركنا ديننا، واتباعنا دينك لمجلس واحد جلست إلينا فيه، لا أول له ولا آخر، لذل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، إن الزلة مع العجلة، وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدا، ولكن نرجع وترجع، وننظر وتنظر.

ثم كأنه أحب أن يشركه المثني بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا، وصاحب حربنا.

فقال المثني: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة، في تركنا ديننا، ومتابعتنا دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين: أحدهما اليمامة، والآخر السمامة.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذان الصريان؟ " قال: أنهار كسرى، ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: ألا نحدث حدثا، ولا نؤوى محدثا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم وأموالهم، أتحبون الله تعالى وتقدسونه؟ " فقال النعمان: اللهم فلك ذاك.

فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} ١.

ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢.


١ سورة الأحزاب آية ٤٥، ٤٦.
٢ دلائل النبوة لأبي نعيم ص٢٣٧.

<<  <   >  >>