كيف أصبحت حقيقة الألوهية حاضرة في قلوبهم وفي حياتهم على هذا النحو العجيب؟
كيف امتلأت قلوبهم وحياتهم بهذه الحقيقة هذا الامتلاء؟
كيف أصبحت هذه الحقيقة تأخذ عليهم الفجاج والمسالك والاتجاهات والآفاق؛ بحيث تواجههم حيثما اتجهوا، وتكون معهم أينما كانوا، وكيفما كانوا؟
كنت أدرك طبيعة وجود هذه الحقيقة، وحضورها في قلوبهم وفي حياتهم، ولكني لم أكن أدرك كيف تم هذا!
عدت إلى القرآن أقرؤه على ضوء موضوعه الأصيل، وعرفت منهج القرآن في تجلية حقيقة الألوهية، وتعبيد الناس لها وحدها، بعد معرفتها، وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله.
أدركت سر الصناعة، عرفت أين صنع ذلك الجيل المتفرد في تاريخ البشرية وكيف صنع! إنهم صناعة قرآنية، صنعوا في هذا المنهج الرباني على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غرس في نفوسهم معرفة أن الله هو الأول والآخر، والله هو الظاهر والباطن، والله هو الخالق والرازق، والله هو المسيطر والمدبر، والله هو الرافع والخافض، والله هو المعز والمذل، والله هو القابض والباسط، والله هو المحيي والمميت، والله هو النافع والضار، والله هو المنتقم الجبار، والله هو الغفور الودود، والله هو العلي الكبير، والله هو القريب المجيب، والله هو الذي يحول بين المرء وقلبه، والله هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، والله هو العليم بذات الصدور، وهو معهم أينما كانوا، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، وهو الذي ينزل الغيب من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ولا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من دونه من وال، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا.