وكان صلى الله عليه وسلم حريصا في هذه المرحلة على عدم إثارة كفار مكة منعا للتصادم معهم، فكان إذا جاءه من يسلم بدعوته، وهو من غير مكة يأمره بكتم إسلامه، والامتثال لأمر الله، والعمل به بعيدا عن الناس، وهذا من الحكمة في الدعوة؛ لأن كفار مكة لو بدءوا يعملون ضد المسلمين في هذه المرحلة لتمكنوا منهم لقلة عددهم وضعف وجودهم، وهذا قدر أراده الله للمؤمنين في هذه المرحلة لينصر دينه بهم.
يروي ابن سعد بسنده عن شداد بن عبد الله: أن أبا أمامة سأل عمرو بن عبسة: بأي شيء تدعي أنك ربع الإسلام؟
قال: إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان بشيء، ثم سمعت عن رجل يخبر أخبارا بمكة، ويحدث بأحاديث، فركت راحلتي، حتى قدمت مكة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا، وإذا قومه عليه جرآء.
فتلطفت حتى دخلت عليه فقلت: من أنت؟
قال:"أنا نبي".
فقلت: وما نبي؟
قال:"رسول الله".
قلت: الله أرسلك؟
قال:"نعم".
قلت: فبأي شيء؟
قال:"بأن يوحد الله ولا يشرك به شيء، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام".