قال:"إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت، فالحق بي".
فرجعت إلى أهلي وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة وقد أسلمت، فجعلت أتخبر الأخبار حتى جاء ركبه من يثرب فقلت: ما فعل هذا الرجل المكي الذي أتاكم؟ فقالوا: أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذاك، وحيل بينهم وبينه، وتركت الناس إليه سراعا، فركبت راحلتي، حتى قدمت عليه المدينة.
فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟
قال:"نعم، ألست الذي أتيتني بمكة؟ ".
فقلت: بلى يا رسول الله، علمني مما علمك الله وأجهله.
"ثم ذكر الحديث بطوله، وفيه تفصيل مواقيت الصلاة والوضوء وغير ذلك"١.
وهكذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي الجليل إلى عدم البقاء في مكة والرجوع إلى قومه، وملازمة الصمت والسكوت، حتى يظهر أمر الإسلام، وبعدها يتمكن من الحركة والجهر والدعوة، في ظلال حفظ الله، ونصر إخوانه له.
ويبدو أن عمرو بن عبسة رضي الله عنه كان من الحنفاء، الذين أظهروا فساد آلهة القوم، وأخذوا في البحث عن الدين الحق؛ ولذلك كان توجيهه إلى التخفي أمرا ضروريا في هذه المرحلة من مراحل الدعوة؛ لأن الحنفاء تعودوا نقد ما عليه الناس، واحتقار آلهتم، من غير تقديم دعوة جديدة، تتضمن معالم دين صحيح، فلو استمر عمرو بن عبسة في النقد مع إسلامه، فإنه يمثل خطورة لأهل مكة تشعل غضبهم في هذه المرحلة التي لا تتحمل هذا.
يخبر شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، وذلك أنها باطل، فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله.